الأهرام
جمال نافع يكتب :
كواليس احتلال الكويت والعدوان الأمريكى على العراق..«فى مرمى النيران»
من يقرأ كتاب «فى مرمى النيران» للسفير العراقى نبيل نجم، لابد أن يصاب بالحسرة والأسى على ما يحدث للوطن العربي، ليس فقط على يد أعدائه، بل على يد أبنائه، وخصوصا بعض حكامه ممن يتمكن منهم داء العظمة ويتخيلون أنفسهم زعماء ملهمين، فيتخذون من القرارات المصيرية ما يؤدى لضياع البلاد والعباد، ولعل فى الحالة العراقية وما فعله صدام حسين بقراراته غير المسئولة أوضح مثال لذلك.
يحاول السفير نبيل نجم أن يعرض لحدثين مهمين فى الواقع العربى بين عام 1990 وحتى أبريل 2003 وهما الاحتلال العراقى للكويت، ثم الاحتلال الأمريكى للعراق وهى شهادة مبنية على وقائع ولقاءات رسمية، بحكم عمل المؤلف كسفير للعراق فى القاهرة، ثم كمندوب دائم للعراق لدى جامعة الدول العربية، إلا أن الملحوظة الأهم على الكتاب أن مؤلفه لم يدع الحكمة أو يكن منحازا، فلم يأخذ جانبا ضد آخر، رغم أن بلاده طرف أصيل فيما يحكي، بل كان منصفاً وشجاعاً فى نقل ما حدث واستفاد من كل الوثائق والرسائل التى كانت تحت يديه فى تلك الأزمة بحكم منصبه الدبلوماسى واعتمد بشكل أساسى على نصوص الرسائل المتبادلة بين صدام حسين وحسنى مبارك عشية أزمة الكويت وما بعدها، وأسرار الكواليس التى شهدها تلك الرسائل. فكان أقرب الى شاهد على الأحداث، يرصدها ويقدمها للقاريء، أما فى غزو العراق فكان رأيه واضحا.
ويحكى قصة الغزو العراقى منذ أن قدمت العراق مذكرة للجامعة العربية باتهام الكويت بسرقة بترول حقل الرميلة الجنوبى (قدرت بقيمة مليارين ونصف مليار دولار) وتدخلت مصر والسعودية والأردن لرتق الخلاف كل بطريقته، فوفدت السعودية الأمير سعود الفيصل لبغداد مقترحة استضافة وفد من البلدين فى جدة، وسافر مبارك للعراق، وتحدث صدام معه عن عدم عدالة توزيع الثروة العربية وما يسببه ذلك من ضغينة بين أبناء الوطن العربي، وفهم مبارك أن صدام لن يقوم بعمل عسكرى ضد الكويت، بينما قال صدام بعد ذلك إنه قال إنه لن يقوم بعمل عسكرى ما دامت المفاوضات جارية.
والتقى صدام بالسفيرة الأمريكية فى بغداد أبريل جلاسى فى يوليو 1990 وذكرها بأن العراق هو من حمى أصدقاء أمريكا فى المنطقة من إيران وعن الحرب الاقتصادية التى تتعرض لها من الكويت، وأكدت له السفيرة أن أمريكا ملتزمة بالدفاع عن أصدقائها فى الخليج وهو عكس ما ردده الإعلام العربى من أن السفيرة خدعت صدام وأوهمته أن أمريكا لن تتدخل فى حال قيام نزاع عسكرى بين العراق والكويت.
وغزت القوات العراقية الكويت، وكان هناك اتفاق لاجتماع قمة رباعية بين الرئيسين مبارك وصدام والعاهلين فهد وحسين فى جدة، من أجل إيجاد مخرج يقوم على أساس الانسحاب العراقى من الكويت وعودة الشرعية وسافر الملك حسين لبغداد ولم يوفق فى مساعيه، ولم تنعقد القمة وأبلغت مصر العراق أن أمريكا تسعى لتهيئة المسرح السياسى والعسكرى للقيام بعملية عسكرية ضد العراق وإخراجه من الكويت وتدمير قدراته العسكرية والعلمية وطالب مبارك بسحب القوات العراقية من الكويت وسيتولى هو تدبر الأمور بما يؤمن الحفاظ على العراق وجيشه وفى وسط الوساطة العربية لحل الأزمة، أعلن العراق ضم الكويت رسميا، أو ما أسماه الوحدة مع الكويت بناء على رغبة حكومتها الجديدة وعقدت قمة عربية غير عادية فى أغسطس 1990 بالقاهرة، وكان موقف العراق إنه يريد أن يبحث عن انسحابات من جميع الأراضى العربية وكان بإمكان العراق بعد الوساطات العربية والدولية، الانسحاب من الكويت، وتفادى الحرب المدمرة التى أدت إلى حروب أخرى انتهت بالاحتلال الأمريكى للعراق وانتهاكات لسيادة البلد وتبديد لثرواته وتشريد لعقوله وتمزيق لنسيجه الاجتماعى وشلل شبه كامل.
الدكتور نبيل نجم اختتم كتابه بالقول: إن كل ما تشهده المنطقة من فوضى وإرهاب، وتفكك للمجتمعات على أسس طائفية ومذهبية وعنصرية، ما هو إلا نتاج ما حدث للعراق، وما خلفه الاحتلال الأمريكى من آثار مأساوية وكارثية على عموم المنطقة، وأن المستفيد الأكبر الوحيد فى المنطقة هو إيران، التى عززت وضعها الاستراتيجي، بفعل إزالة عدوها صدام حسين.
ويكشف السفير نبيل نجم عن الحرب النفسية التى خاضتها القوات الأمريكية ضد الشعب العراقى الأعزل قبل سقوط بغداد. ويطالب العراقيين بمقاضاة المسئولين الأمريكيين والبريطانيين أمام الحكمة الجنائية الدولية عمّا ارتكبوه بحق العراقيين ويطالبهم بالاعتذار الرسمى للشعب العراقي. ويطالب القانونيين العراقيين والعرب أن يهيئوا كل الوثائق التى تساعد على إدانة المعتدين.