الحياة اللندنية
هيام الدهبي تكتب :
«فرص في مهب الريح»… تأملات في تجارب التغيير في العراق
يناقش الصحافي العراقي صلاح النصراوي في كتابه «فرص في مهب الريح» (دار بدائل – القاهرة) قضية التغيير في العراق، أولاً عبر إشكالية التغيير من الخارج كما حصل عند إسقاط نظام صدام حسين بالغزو الأميركي، وثانياً من خلال السعي لطرح رؤى للبدائل الممكنة لإيجاد باب للخروج من المأزق الوطني الذي وضع العراق في ذلك المسار القبيح من التغيير.
يؤكد النصراوي: «لم يكن انضمام التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر إلى هذا الحراك في ربيع عام 2016 وتصعيده إلى حركة احتجاج شعبية في بغداد وبقية مدن الوسط والجنوب، إلا دليلاً على الأهمية التي أولاها الجميع إلى قوة الشارع وإمكان اللجوء إليه في التغيير وفي الدفع باتجاه إحياء السياسة العراقية التي تعفَّنت نتيجة هيمنة جماعات المصالح التي سخّرت الطائفية والإثنية كسردية مهيمنة في الحياة السياسية العراقية».
وفي بلد يواجه حرباً أهلية وصراعات طائفية وانقساماً إثنياً وانهيارات بنوية في نظامه السياسي وتدخلات خارجية وتهديدات وجودية لكيانه، لا يمكن أن يقاس نجاح حركة الاحتجاج الجماهيرية أو فشلها مقارنة بنتائج حققتها حركات مماثلة أو انتفاضات في بلدان أخرى تتمتع باستقرار نسبي، وتهدف إلى انتزاع حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية من نظام من دون مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تهديدات وجودية لكيان الدولة ذاته. ويكمل النصراوي: «في ضوء هاتين الحقيقتين، أي تعثر الانتفاضة العراقية وتعدد صفحاتها وطول مسارها من ناحية وطبيعة الوضع العراقي الخاص من ناحية أخرى، فإنه بالإمكان القول أن الانتفاضة العراقية لم تبدأ بعد وستمضي في مخاض طويل، ولربما عسير، كي تخرج بخبرتها الثورية وفقاً لقوانين تطور المجتمع العراقي الخاصة ولقانون تطورها الخاص الذي ستصوغه بنفسها من خلال تجربتها الذاتية».
ويزيد الكاتب: «في خضم الثورات الشعبية التي عمَّت عدداً من الدول العربية منذ نهاية عام 2010 وبداية عام 2011 تردد السؤال عما إذا كان العراق سيلحق بمد الربيع العربي وعما إذا كانت هبّة جماهيرية ستطيح النظام القائم الذي يرى فيه عراقيون كثيرون نظاماً فاشلاً وعاجزاً يقوم على الإقصاء والتهميش الطائفي والإثني وعلى الظلم، ولا يقل في استبداده وفساده وهدره للكرامة عن الأنظمة التي أسقطت في تونس ومصر وليبيا واليمن.
يُفترض أن للعراق وضعاً استثنائياً بسبب طبيعة وخصوصية النظام الذي أنتجه الغزو الأميركي بعد إسقاط النظام الشمولي الديكتاتوري لصدام حسين، حيث يقوم شكلاً على الانتخابات والبرلمان والتعددية، في حين بقي في مضمونه مفرغاً من أي تعبير ديموقراطي حقيقي ومن القواعد والمبادئ التي تقوم عليها الديموقراطية، ويرتكز بدلاً من ذلك على تقاسم السلطة بين طغم (أوليغارشية) على قاعدة المحاصصة الإثنية والطائفية. إن ما كان يراه دعاة عدم حاجة العراق إلى الالتحاق بقطار الثورات العربية هو أن النظام الذي هندسه الغزو ويعكس الواقع العراقي ومكوناته الدينية والعرقية، كما تتوافر لديه آليات ديموقراطية بإمكانها التعامل مع مطالب أي حركة احتجاجية قد تنشأ، وما كان يراه أصحاب هذا الرأي أيضاً، هو أن حالة الاستقطاب الطائفي والإثني التي وصل إليها العراق لا تشكل التربة الصالحة لحراك شعبي، يمكنه أن ينتج حركة معارضة وطنية جامعة تشكل بديلاً للوضع القائم. على الجانب الآخر، كان هناك فريق يرى أن الإخفاق الذي سيواجهه مشروع ما بعد الغزو سيؤدي لا محالة إلى وضع لن تنجح فيه الآليات المتوافرة في معالجة المعضلات القائمة فيه، ما سيؤدي إلى حالة تشرذم مجتمعي على المستويين العمودي والأفقي سيؤدي إلى انهيار الدولة العراقية. فالذي كان يراه هذا الفريق هو أن الحل لهذا المأزق الوطني يكمن في خلق فضاء عام تعمل من خلاله حركات سياسية واجتماعية عابرة للطوائف تضع نواة لدولة مواطنة مدنية ديموقراطية، وهو ما يمكن أن تنهض به الانتفاضة الشعبية التي يشارك فيها ضحايا نظام المحاصصة والإقصاء والفساد.
وفي حين أن اعتزاز المسؤولين العراقيين بريادة التجربة العراقية – بإسقاط نظام صدام حسين من طريق الغزو الأجنبي – على الثورات العربية يمثل استهانة بكفاح الشعوب العربية وتضحياتها من أجل إسقاط طغاتها ومن أجل العدالة والحرية، فإنه شكَّل أيضاً إهانة لتاريخ الحركة الوطنية العراقية ونضالات العراقيين ضد ديكتاتورية صدام واستبداده، وقبله ضد الأنظمة الفاسدة عبر عقود طويلة. غير أن سرعة تبدل الموقف الرسمي العراقي وقيام الطبقة السياسية الحاكمة بالتنديد بالربيع العربي بعد اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في سورية، فضحا «الوجه القبيح لسلطة عراق ما بعد صدام وكشفا وقوفها السافر إلى جانب الديكتاتورية والقمع ومعاداتها لطموحات الإصلاح وتطلعات التغيير».
ويخلص الكاتب إلى أن «الصلة بين ثورة عراقية لم تتحقق وبين ظاهرة الثورات العربية، هو التحدي الذي واجهناه نحن كعراقيين خلال المرحلة التي أعقبت سقوط صدام وكيف فشلنا فشلاً ذريعاً في انتهاز الفرصة التاريخية التي تحققت لنا للبدء بإعادة بناء بلدنا مجدداً على أسس الحرية والعدالة والمساواة، وبناء مجتمع يقوم على المواطنة والحداثة والتطور والتنمية والازدهار، وكيف أننا وقعنا في الفخ وقدَّمنا الوطن من دون وعي أو تدبير على طبق من ذهب إلى عصابات.